Wednesday, May 7, 2014

تخريج الحديث النبوى ودراسة الأسانيد ــ التفريق بين التخريج وطرق التخريج

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ثم أما بعد

يجب أن نُفْرِقَ بين التخريج وطرق التخريج: فعندما تقول أن هذا حديثٌ أخرجه البخارىُ إذاً فإن البخارى رحمه الله تعالى قد قام بالتخريج، ولكن عندما تريد أن تصل للحديث في صحيح البخارى فكيف تصل إليه؟ فنفترض مثلاً أن البخارى رحمه الله قد جعل هذا الحديث في كتاب المغازى وأنت قد سمعت من شخص أن هذا الحديث أخرجه البخارى فكيف تستطيع الوصول لهذا الحديث في صحيح البخارى لكي تتأكد أن البخارى قد أخرجه بالفعل؟
إذاً فالتخريج شيء وطرق التخريج شئٌ آخر
فطرق التخريج على قسمين: طرق عشوائية وطرق منظمة:
فالطرق العشوائية أولها الطريقة الشائعة عند معظم الناس: وهي الجرد أي أن تتناول الكتاب وتأخذ في تصفُحِهِ بقصد الوصول إلى حديثٍ معينٍ أو بقصد القراءة قراءة متمعنة أو قراءة إمرار أو مجرد تصفح للاستفادة مما فيه فتقف على أحاديث في هذا الكتاب ربما كنت في حاجة إليها أو تُدونها لحين الحاجة إليها.
فقبل وجود الحاسب الآلى وقبل وجود الفهارس المُعينة على البحث عن الحديث كان على الباحث في علم الحديث في كتاب مثل مسند أبى يعلى أن يلجأ للعزو للمخطوطة قبل أن يتم طبع الكتاب، والتعامل مع المخطوط فيه صعوبة شديدة من حيث قراءة الخط ثم من حيث الوصول للحديث خاصة في الكتب الغير مُنظمة، كأن تكون مرتبة على المسانيد (أي جمع أحاديث كل صحابى على حدة) ولكن من غير ترتيب، فقد تقرأ فيها حديثاً في كتاب البيوع يليه حديث في كتاب التفسير يليه حديث في كتاب المغازى يليه حديث في كتاب الطهارة وهكذا.
فليس هناك وحدة موضوعية تجمع هذه الأحاديث ولكنها مُبعثرة ولا يجمعها سوى أنها قد رواها صحابى واحد، وربما كان الصحابى الذي تقرأ مسانيده مُقلاً في الحديث وفى هذه الحالة لن يستغرق بحثك وقتاً طويلاً حتى تحصل على الحديث الذي تبحث عنه في مسند ذلك الصحابى، ولكن إذا كان الصحابى مُكثراً في رواية الأحاديث كأبى هريرة رضى الله عنه مثلاً فسيطول بحثك كثيراً، فربما كان الحديث في أول المسند أو في آخره أو في وسطه، وهنا ستكون هناك صعوبة شديدة في الوصول للحديث، بل أقول أن هناك صعوبة في الوصول للصحابى نفسه، فكيف تعرف أن مسند الصحابى الذى تبحث عنه في صفحة كذا من المخطوطة إلا بعد أن تتصفح المخطوطة حتى تصل إلى مسند الصحابى الذى تريد. 
وقد يكون ناسخ المخطوطة التي تقرأها قد ميز بداية مسند كل صحابى بما يميزها كأن يجعل اسم كل صحابى بخط أسود ثقيل أكبر من باقى تفاصيل المخطوطة، وربما كان كل الخط متشابهاً وبنفس النسق فيحتاج من القارئ إلى حدة النظر والأناة والتصفح الدقيق لصفحات المخطوطة حتى تتأكد من أن الصفحة فيها بداية مسند صحابى أو ليس فيها بداية، وهى معاناة شديدة كما يظهر.
ولما طُبع مُسند أبى يعلى بتحقيق حسين سليم أسد جزاه الله خيراً لم يشتمل الكتاب على فهارس فاستراح طالب العلم من صعوبة قراءة المخطوطة ولكن بقيت مشكلة تحديد محل مسند الصحابى في هذه المجلدات الثلاثة عشر، فتحديد المجلد الذي يحتوي على مسند الصحابى صعب جداً. 
وحتى فى حال أن عرفنا أن مسند الصحابى يبدأ من الصفحة رقم كذا من المجلد رقم كذا، فأين نجد الحديث الذي نبحث عنه في مسند ذلك الصحابى وخاصة لو كان الصحابى مُكثراً من الحديث؟ فعلى الباحث أن يتصفح ويصبر حتى يحدد مكان كل حديث يريد تخريجه ويسجل مكانه برقم المجلد ورقم الصفحة، وهذه الطريقة تُسمى طريقة الجرد (التصفح) وهي الطريقة التي كان يسلكها الكثير من أهل العلم في التخريج من الكتب أمثال مسند الإمام أحمد.
فكيف كان ابن حجر مثلاً يُخْرِج من مسند الإمام أحمد؟ فالله يعلم كم المعاناة التي عاناها العلماء قديما حتى يوصلوا لنا العلم، الذهبى رحمه الله كُف بصره في آخر عمره وقد كان رحمه الله يعزو ذلك إلى ضعف الإضاءة ويقول: (ما زلت مستنكراً لبصري شيئاً فشيئاً)، وكان ذلك من كثرة القراءة والكتابة على ضوء ضعيف فقد كانت الإضاءة عن طريق السُرج وكانت ضعيفة.
لذلك ينبه العلماء فى الآداب التى على طالب العلم أن يراعيها أن يدون طلاب العلم العلوم بخط كبير ويتجنبون الخطوط الدقيقة الصغيرة والباهتة فقد يقرأ هذا العلم شابٌ حاد البصر وقد يقرأه شيخٌ ضعيف البصر، وفى الماضى لم يكن هناك نظارات تصحح البصر لذلك كان يحدث من بعض العلماء تصحيف وقد يحتاج العالم إلى من يقرأ له فيخطئ ذلك الذي يقرأ.
فالعلماء القدامى عانوا كثيراً قبل وجود المطابع فلم يكن لأحد أن يقرأ سوى في المخطوطة، فتبدأ معاناته أول ما تبدأ عند الحصول على المخطوطة، فالمخطوطة لا تُكتب بالمئات والآلاف والملايين كما هو الحال بعد تقدم الطباعة على الورق، فأحيانا تكون للكتاب مخطوطة واحدة أو عدد محدود جداً من المخطوطات ولك أن تتخيل صعوبة الحصول على تلك المخطوطات، مع ملاحظة أن العلماء لا يلجأون للوراقين الذين ينسخون المخطوطات لأنهم لا يمكن الوثوق بهم والعلماء يبذلون جهودهم ليجعلوا كتبهم مصادر موثوقاً بها ويمكن الاعتماد عليها.
 
لذلك نرى الحافظ ابن حجر العسقلانى ينبه على بعض النُسخ الموجودة عنده: مثل أنه كان يشكو دائماً من نسخته من الثقات لابن حبان ويقول إنها نسخة سقيمة لذلك لا يوثق في ابن حجر في نقله عن الثقات لابن حبان، فقد يقول ابن حجر: ذكره ابن حبان في الثقات وعندما ترجع إلى كتاب ابن حبان تجد أن ابن حبان قد ذكره فعلاً في الثقات ولكنه قال: يخطئ ويخالف وهذا جرح طبعاً ولكن ابن حجر ذكر أن ابن حبان وثق هذا الرجل ــ وربما يقول ابن حجر في رجل: قال ابن حبان: يخطئ ويخالف وعندما نرجع إلى كتاب الثقات لابن حبان لا نجد هذه العبارة، التي لم ترد إلا في نسخة ابن حجر السقيمة من كتاب الثقات لابن حبان ــ
ولكن كل هذه المعاناة قد زالت بفضل الله ومنته في هذا العصر 
هذا فيما يتعلق بالطريقة العشوائية الأولى وهي الجرد.
 
والطريقة الثانية من الطرق العشوائية هي في الحقيقة جردٌ أيضاً ولكن بلون آخر وهي استخدام الحاسب الآلى وهي طريقة عشوائية فإن الباحث يستخدم بعض الكلمات الواردة في الحديث ويكتبها في محرك البحث فيخرج له النتائج ــ وهنا قام الحاسب الآلى بالجرد فتصفح الكتب بسرعة رهيبة وأخرج له كل هذه النتائج وهي وسيلة عشوائية ولكن باستخدام وسيلة حديثة أعانت الباحث على سرعة البحث.
 
أما الطريقة المُنظمة فتحتاج إلى معرفة للكتب ومعرفة لمناهج المصنفين لها وكيف صنفوها وكيف يمكن التعامل معها ــ وهذه الطريقة المُنظمة تنقسم إلى قسمين:
قسم يتعلق بالإسناد وقسم آخر يتعلق بالمتن
وفى حالة عدم وجود إسناد للحديث، أو كان لدينا إسناد ولكن لم نتمكن من التعامل به، أو استطعنا التعامل ولكن لم نصل إلى نتيجة فيمكن هنا أن نذهب إلى البحث بالمتون ــ أو ربما ذهبنا إلى المتون ابتداءً ــ ولكن لابد لطالب علم الحديث أن يتعلم القسمين ويعرف طرق كل قسم.

No comments:

Post a Comment