Wednesday, May 7, 2014

تخريج الحديث النبوى ودراسة الأسانيد ــ التفريق بين التخريج وطرق التخريج

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ثم أما بعد

يجب أن نُفْرِقَ بين التخريج وطرق التخريج: فعندما تقول أن هذا حديثٌ أخرجه البخارىُ إذاً فإن البخارى رحمه الله تعالى قد قام بالتخريج، ولكن عندما تريد أن تصل للحديث في صحيح البخارى فكيف تصل إليه؟ فنفترض مثلاً أن البخارى رحمه الله قد جعل هذا الحديث في كتاب المغازى وأنت قد سمعت من شخص أن هذا الحديث أخرجه البخارى فكيف تستطيع الوصول لهذا الحديث في صحيح البخارى لكي تتأكد أن البخارى قد أخرجه بالفعل؟
إذاً فالتخريج شيء وطرق التخريج شئٌ آخر
فطرق التخريج على قسمين: طرق عشوائية وطرق منظمة:
فالطرق العشوائية أولها الطريقة الشائعة عند معظم الناس: وهي الجرد أي أن تتناول الكتاب وتأخذ في تصفُحِهِ بقصد الوصول إلى حديثٍ معينٍ أو بقصد القراءة قراءة متمعنة أو قراءة إمرار أو مجرد تصفح للاستفادة مما فيه فتقف على أحاديث في هذا الكتاب ربما كنت في حاجة إليها أو تُدونها لحين الحاجة إليها.
فقبل وجود الحاسب الآلى وقبل وجود الفهارس المُعينة على البحث عن الحديث كان على الباحث في علم الحديث في كتاب مثل مسند أبى يعلى أن يلجأ للعزو للمخطوطة قبل أن يتم طبع الكتاب، والتعامل مع المخطوط فيه صعوبة شديدة من حيث قراءة الخط ثم من حيث الوصول للحديث خاصة في الكتب الغير مُنظمة، كأن تكون مرتبة على المسانيد (أي جمع أحاديث كل صحابى على حدة) ولكن من غير ترتيب، فقد تقرأ فيها حديثاً في كتاب البيوع يليه حديث في كتاب التفسير يليه حديث في كتاب المغازى يليه حديث في كتاب الطهارة وهكذا.
فليس هناك وحدة موضوعية تجمع هذه الأحاديث ولكنها مُبعثرة ولا يجمعها سوى أنها قد رواها صحابى واحد، وربما كان الصحابى الذي تقرأ مسانيده مُقلاً في الحديث وفى هذه الحالة لن يستغرق بحثك وقتاً طويلاً حتى تحصل على الحديث الذي تبحث عنه في مسند ذلك الصحابى، ولكن إذا كان الصحابى مُكثراً في رواية الأحاديث كأبى هريرة رضى الله عنه مثلاً فسيطول بحثك كثيراً، فربما كان الحديث في أول المسند أو في آخره أو في وسطه، وهنا ستكون هناك صعوبة شديدة في الوصول للحديث، بل أقول أن هناك صعوبة في الوصول للصحابى نفسه، فكيف تعرف أن مسند الصحابى الذى تبحث عنه في صفحة كذا من المخطوطة إلا بعد أن تتصفح المخطوطة حتى تصل إلى مسند الصحابى الذى تريد. 
وقد يكون ناسخ المخطوطة التي تقرأها قد ميز بداية مسند كل صحابى بما يميزها كأن يجعل اسم كل صحابى بخط أسود ثقيل أكبر من باقى تفاصيل المخطوطة، وربما كان كل الخط متشابهاً وبنفس النسق فيحتاج من القارئ إلى حدة النظر والأناة والتصفح الدقيق لصفحات المخطوطة حتى تتأكد من أن الصفحة فيها بداية مسند صحابى أو ليس فيها بداية، وهى معاناة شديدة كما يظهر.
ولما طُبع مُسند أبى يعلى بتحقيق حسين سليم أسد جزاه الله خيراً لم يشتمل الكتاب على فهارس فاستراح طالب العلم من صعوبة قراءة المخطوطة ولكن بقيت مشكلة تحديد محل مسند الصحابى في هذه المجلدات الثلاثة عشر، فتحديد المجلد الذي يحتوي على مسند الصحابى صعب جداً. 
وحتى فى حال أن عرفنا أن مسند الصحابى يبدأ من الصفحة رقم كذا من المجلد رقم كذا، فأين نجد الحديث الذي نبحث عنه في مسند ذلك الصحابى وخاصة لو كان الصحابى مُكثراً من الحديث؟ فعلى الباحث أن يتصفح ويصبر حتى يحدد مكان كل حديث يريد تخريجه ويسجل مكانه برقم المجلد ورقم الصفحة، وهذه الطريقة تُسمى طريقة الجرد (التصفح) وهي الطريقة التي كان يسلكها الكثير من أهل العلم في التخريج من الكتب أمثال مسند الإمام أحمد.
فكيف كان ابن حجر مثلاً يُخْرِج من مسند الإمام أحمد؟ فالله يعلم كم المعاناة التي عاناها العلماء قديما حتى يوصلوا لنا العلم، الذهبى رحمه الله كُف بصره في آخر عمره وقد كان رحمه الله يعزو ذلك إلى ضعف الإضاءة ويقول: (ما زلت مستنكراً لبصري شيئاً فشيئاً)، وكان ذلك من كثرة القراءة والكتابة على ضوء ضعيف فقد كانت الإضاءة عن طريق السُرج وكانت ضعيفة.
لذلك ينبه العلماء فى الآداب التى على طالب العلم أن يراعيها أن يدون طلاب العلم العلوم بخط كبير ويتجنبون الخطوط الدقيقة الصغيرة والباهتة فقد يقرأ هذا العلم شابٌ حاد البصر وقد يقرأه شيخٌ ضعيف البصر، وفى الماضى لم يكن هناك نظارات تصحح البصر لذلك كان يحدث من بعض العلماء تصحيف وقد يحتاج العالم إلى من يقرأ له فيخطئ ذلك الذي يقرأ.
فالعلماء القدامى عانوا كثيراً قبل وجود المطابع فلم يكن لأحد أن يقرأ سوى في المخطوطة، فتبدأ معاناته أول ما تبدأ عند الحصول على المخطوطة، فالمخطوطة لا تُكتب بالمئات والآلاف والملايين كما هو الحال بعد تقدم الطباعة على الورق، فأحيانا تكون للكتاب مخطوطة واحدة أو عدد محدود جداً من المخطوطات ولك أن تتخيل صعوبة الحصول على تلك المخطوطات، مع ملاحظة أن العلماء لا يلجأون للوراقين الذين ينسخون المخطوطات لأنهم لا يمكن الوثوق بهم والعلماء يبذلون جهودهم ليجعلوا كتبهم مصادر موثوقاً بها ويمكن الاعتماد عليها.
 
لذلك نرى الحافظ ابن حجر العسقلانى ينبه على بعض النُسخ الموجودة عنده: مثل أنه كان يشكو دائماً من نسخته من الثقات لابن حبان ويقول إنها نسخة سقيمة لذلك لا يوثق في ابن حجر في نقله عن الثقات لابن حبان، فقد يقول ابن حجر: ذكره ابن حبان في الثقات وعندما ترجع إلى كتاب ابن حبان تجد أن ابن حبان قد ذكره فعلاً في الثقات ولكنه قال: يخطئ ويخالف وهذا جرح طبعاً ولكن ابن حجر ذكر أن ابن حبان وثق هذا الرجل ــ وربما يقول ابن حجر في رجل: قال ابن حبان: يخطئ ويخالف وعندما نرجع إلى كتاب الثقات لابن حبان لا نجد هذه العبارة، التي لم ترد إلا في نسخة ابن حجر السقيمة من كتاب الثقات لابن حبان ــ
ولكن كل هذه المعاناة قد زالت بفضل الله ومنته في هذا العصر 
هذا فيما يتعلق بالطريقة العشوائية الأولى وهي الجرد.
 
والطريقة الثانية من الطرق العشوائية هي في الحقيقة جردٌ أيضاً ولكن بلون آخر وهي استخدام الحاسب الآلى وهي طريقة عشوائية فإن الباحث يستخدم بعض الكلمات الواردة في الحديث ويكتبها في محرك البحث فيخرج له النتائج ــ وهنا قام الحاسب الآلى بالجرد فتصفح الكتب بسرعة رهيبة وأخرج له كل هذه النتائج وهي وسيلة عشوائية ولكن باستخدام وسيلة حديثة أعانت الباحث على سرعة البحث.
 
أما الطريقة المُنظمة فتحتاج إلى معرفة للكتب ومعرفة لمناهج المصنفين لها وكيف صنفوها وكيف يمكن التعامل معها ــ وهذه الطريقة المُنظمة تنقسم إلى قسمين:
قسم يتعلق بالإسناد وقسم آخر يتعلق بالمتن
وفى حالة عدم وجود إسناد للحديث، أو كان لدينا إسناد ولكن لم نتمكن من التعامل به، أو استطعنا التعامل ولكن لم نصل إلى نتيجة فيمكن هنا أن نذهب إلى البحث بالمتون ــ أو ربما ذهبنا إلى المتون ابتداءً ــ ولكن لابد لطالب علم الحديث أن يتعلم القسمين ويعرف طرق كل قسم.

تخريج الحديث النبوى ودراسة الأسانيد ــ بعض أساسيات علم التخريج ودراسة الأسانيد

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ثم أما بعد 

هناك بعض الأشياء الأساسية التي يجب ان ينتبه إليها كل طالب لعلم التخريج ودراسة الأسانيد وفيما يلى بعض ما تيسر منها : 

1 – التصاق طالب العلم بالكتب فكلما كان طالب العلم صاحب معرفة عميقة بالكتب كلما كان التخريج عنده أسهل.
2 - معرفة مناهج أصحاب الكتب: فكلما كان طالب العلم عارفاً بمناهج مؤلفى الكتب التي التزموها في تخريج الأحاديث كان أقدر من غيره على تخريج الأحاديث.
3 - قضية طالب العلم ليست فقط العثور على الحديث في أحد كتب الحديث فإن ذلك من أسهل الأمور، فمن السهل جداً أن تعلم أن حديثاً موجود في صحيح البخارى أو في مسند الإمام أحمد ولكن ليس معنى ذلك أن مهمتك قد انتهت وبلغت المنتهى والمطلوب.
4 - الصبر مطلوب للوصول إلى النتائج المرجوة فكثير من أفاضل العلماء والواعظين والمُصلحين يضيقون ذرعاً بالتخريج ولا يطلبون إلا الزبدة أو الدليفرى ــ فيتركون غيرهم يجتهد في التخريج ثم هو يقطف الثمرة ــ فإن التخريج ليس مطلوباً لذاته ولكنه يوصلك إلى أشياء في قمة الأهمية وهو ما نطلق عليه: فوائد التخريج ــ فمعظم العلماء وطلبة العلم يريدون فوائد التخريج وثمراته من دون بذل المجهود في ذلك التخريج ــ ولكن هل يستطيع كل مهتم بالعلوم الشرعية أن يجد له مساعداً أميناً حاذقاً في هذا الفن ليختصر عليه هذا الجهد والوقت، وأظن أن الإجابة لا ــ فالمتخصصون في مجال التخريج نُدّر فإما أن تملك المال الكافى لتوظيف أحدهم لديك أو أنك تعمل في مؤسسة توفر هذا النوع من الرجال على نفقة هذه المؤسسة وهذا نادر والنادر لا حكم له ــ فكلنا يحتاج لتعلم هذا العلم ولذلك لابد من التحلى بالصبر وبدون ذلك لن تصل إلى بُغيتك، وخاصة أن هناك بعض الأحاديث التي لا تجدها إلا في خفايا الزوايا أي الأحاديث التي تجدها في غير مظنتها والتي لا توفق للوصول إليها إلا عن طريق سعة وكثرة المطالعة على المدى الطويل والحرص على تسجيل كل ما يقع لك من الأحاديث مع ذكر أماكنها بدقة للرجوع إليها حين الحاجة لذلك فإن بعض أهل العلم يقيدون تلك الفوائد مثل الزركشى في خبايا الزوايا وهى فوائد تأتى في غير مظنتها فيقيدها أهل العلم لينتفع بها الآخرون   
5 - منذ أن رُوى أول حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحتى عام 1396هـ أي قبل حوالي 38 سنة من الآن هل كان أهل العلم يُدرسون طريقة التخريج؟ هل قام أحد أهل العلم بتأليف كتابٍ يُبصر فيه الناس بطريقة تخريج الأحاديث؟ والجواب بالطبع لا فإن ذلك لم يحدث إلا في هذا الزمان المُتَأخِرِ.
5-أول كتاب طُبع في هذا المضمار هو كتاب الدكتور محمود الطحان: أصول التخريج ودراسة الأسانيد وإن كان الغِمارى يزعم أنه ألف قبل هذا ولكن العبرة بأن كتاب الطحان طُبع أولاً في سنة 1396هـ وقبل ذلك التاريخ لا يوجد كتاب واحد مطبوع في تخريج الأحاديث.
6 - لماذا لم يقم أحد من أهل العلم السابقين بالتأليف في علم التخريج؟ وجواب ذلك أن هذا العلم لم يكن يشغل العلماء الأولين بسبب أن الواحد من هؤلاء العلماء لديه معرفة عميقة بالكتب وبمناهج مؤلفيها، فإذا أراد أن يُخْرِجَ حديثاً كان ذلك من أيسر ما يكون ولا يُشكل بالنسبة له أي صعوبة أو مشكلة.
ولكن في هذا العصر أصبح الناس في أشد الحاجة إلى من يدلهم على أشياء كانت عند الأقدمين مثل قولهم السلام عليكم، أو مثل شربة الماء، وهنا يتضح الفارق الشاسع بين بضاعتنا وبضاعتهم، وبين ما عندنا من علم وما كان لديهم، مما جعل أشياءً كثيرة لم يكن الأقدمون يهتمون لها فأصبحت الآن ذات قيمة عالية تُعقد لها الدورات العلمية وتُولف لها الكتب والرسائل وتُدرس كمواد أساسية في الجامعات.
7 - صياغة التخريج: ومن أهم ما يجب العناية به خلال دراسة فن أو علم التخريج: صياغة التخريج. وصياغة التخريج لم ينل الاهتمام والعناية الكافية من مصنفى كتب التخريج وكان جُل اهتمام مصنفى هذه الكتب هو:
أ -التعريف بطرق التخريج.
ب -التعريف بالكتب التي يمكن أن تستعين بها في تخريج الحديث مثل كتب الحديث المُسْنَدة ومناهج مؤلفيها فيها، أو الكتب الوسيطة التي تُعينُ على الوصول إلى الحديث في الكتب المُسْنَدة كمثل: نصب الراية للزيلعى والبدر المُنير وكتب الشيخ الألبانى رحمهم الله تعالى جميعاً.
وذلك كله بلا شك يحتاجه طلاب العلم بشدة ولكنها لا تعدو أن تكون من الأبجديات التي يجب أن تتوفر لطالب علم الحديث فلا يمكن أن يُبحر طالب علم في هذا البحر دون معرفة عميقة بهذه الكتب ومناهج مؤلفيها فيها.
ولكن كل ما مضى رغم شدة أهميته هو شيء وصياغة التخريج شيءٌ آخر، فصياغة التخريج تُعد هي الأكثر أهمية لأن المفُتَرَض في طالب العلم ابتداءً أنه يستطيع الوصول إلى مكان الحديث في كتب الحديث، فالوصول إلى مكان الحديث هو بداية التخريج وليس نهايته، والذي يُخفق فيه طلاب العلم المبتدئون منهم وحتى المُنْتَهون هو صياغة التخريج، وصياغة التخريج هي لُب الموضوع وهو ما يمكن أن يُتَعْقبُ فيها حتى بعض كبار أهل العلم في صياغة التخريج فصياغة التخريج فن مستقل تماماً.

تخريج الحديث النبوى ودراسة الأسانيد ـ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ: التقنيات الحديثة في خدمة علم التخريج

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ثم أما بعد
 
جعل الله تعالى الاحتكام إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - في حياته وإلى سنته بعد مماته شرطاً للإيمان فقال سبحانه وتعالى: ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ النساء: 65.. 
فأصبح لزاماً على من يريد أن يُعدَ من المؤمنين فيدخل الجنة أن يُحْكِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أمور حياته.
ولكن كيف تُحْكِم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في أدق أمور حياتك قبل أن تعرف سنته وتعرف صحيحها وسقيمها؟ ولما كان الله قد جعل دخول الجنة مرهوناً باتباع وطاعة محمد صلى الله عليه وسلم ولما كان الله تعالى لا يعذبَ حتى تصل حجته البالغة إلى جميع عباده فى كل بقاع الأرض ! فقد سخر الله لهذه السنة الطاهرة من الرجال كافرهم ومؤمنهم ومن الوسائل والتقنيات الحديثة ما يُسهل الوصول إلى حديث النبى صلى الله عليه سلم وذلك: لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ.
 
ومع تقدم التقنية وظهور ما يعرف بعصر الحاسب الآلي، كان للسنة والسيرة النبوية من الخدمة من خلال أجهزة الحاسب وبرامجه، ومن خلال شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) الجهود الكثيرة من أجل تيسير سبل الوصول إلى خبر النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لكل من حَرِصَ وأراد أن يدخل الجنة من أبناء آدم عليه السلام  في أصقاع الأرض كلها، فتوافرت برامج موسوعية تتناول علوم الحديث رواية ودراية وتتناول علم الرجال وجمع المصنفات فيهم في برامج تيسر سبل الوقوف على متن الخبر، وأقوال الأئمة في حاله، وكذا الوقوف على رواة السنة النبوية ومعرفة أقوال أئمة الجرح والتعديل فيهم.
 
وتشتد الحاجة إلى الوسائل الحديثة لمعرفة أحكام الأئمة على الأحاديث في حالة البحث عن الأحاديث التي تكون أقوال الأئمة فيها مدفونة في مواضع من مصنفات لا نتوقع أن يكون الحديث المطلوب قد ذُكر فيها.
فإن بعض الأحاديث تكون أقوال الأئمة فيها مدفونة وبعضها يكون واضحاً يدركه كثير من الناس: ومثال الأحاديث التي تكون أقوال الأئمة فيها واضحةً ويدركها كثير من الناس:
أن يكون الحديث في الصحيحين.
أو يكون الحديث قد جاء في بعض الكتب التي أُلِفَتْ في الصحيح المُجرد كمثل صحيح ابن خُزيمة أو صحيح ابن حِبان أو مُستدرك الحاكم على ما عليها من تعقبات.
أو يكون قد جاء في بعض الكتب التي يكون الحكم فيها على الحديث مبيناً وواضحاً كمثل: جامع الترمذي فالترمذي يحكم على الأحاديث.
ومثل هذه الكتب السابقة من السهل واليسير الحصول على الحديث ومعرفة الحكم عليه فيها.
 
ولكن ربما كانت هناك أحاديث حكم بعض الأئمة عليها في غير مظنتها أو حكموا عليها في مظان لا يعرفها إلا خواص هذا العلم كمثل: الأجزاء الحديثية التي ليست في متناول الجميع أو كما يُقال: في خبايا الزوايا. فقد يكون أحد الأئمة قد حكم على الحديث في موضعٍ لا يخطر لك على بال ومثال ذلك:
أن يكون ذلك الحديث قد جاء في بعض كتب تواريخ البُلدان كتاريخ بغداد أو تاريخ دمشق أو تاريخ أصفهان أو غير ذلك ويكون مؤلف الكتاب قد نقل عن أحد الأئمة حكماً على هذا الحديث فمن أين لك أن تعلم أن هذا الإمام قد حكم على هذا الحديث في هذا الموضع من ذلك الكتاب؟
في هذه الحال اشتدت حاجة الناس لأن تكون هناك وسائل مُعينة كالحاسب الآلى في زماننا الحالي، ولكن ماذا كان الأمر قبل وجود الحاسب الآلى؟ كيف كان أهل العلم يعرفون أحكام الأئمة على الأحاديث؟ إجمالاً هم لم يكونوا فى حاجة لهذه التقنيات الحديثة فقد أغناهم الله بسعة الحفظ والعلم عن ذلك.
وقد لا يُدرك صعوبة حصر ومعرفة أحكام الأئمة على الأحاديث إلا من عانى هذه الصعوبة قبل أن يمن الله علينا بكل تلك الأساليب والبرامج الحديثة التي سهلت معرفة هذه الأحكام بسهولة ويُسر، هذه النعمة التي سوف تكون حجة على من أهمل وأعرض عن اقتفاء أثر الحبيب صلى الله عليه وسلم الذي أخبرنا الله تعالى أنه كان لنا فيه أسوة حسنة وحصر الفوز بالجنة في اتباعه بحيث لن يدخل أحدٌ الجنة إلا خلف محمد صلى الله عليه وسلم، وكتب النار والعذاب على من يشاقق الرسول ويتبع غير سبيله، ولأننا لم يكن لنا شرف رؤية الحبيب صلى الله عليه وسلم في الدنيا، ولأن الله سبحانه ليس بظلام للعبيد وهو جل شأنه لا يظلم مثقال ذرة يسر لنا كل الوسائل لمعرفة هديه صلى الله عليه وسلم حتى أصبح ذلك العلم في متناول كل من أراده وحرص عليه وذلك: لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ

تخريج الحديث النبوى ودراسة الأسانيد


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ثم أما بعد:
أهمية التخريج ودراسة الأسانيد 
وفضل الشيخ الألبانى فى تنقية السنة النبوية

إن علم التخريج ودراسة أسانيد حديث نبينا المعصوم صلى الله عليه وسلم لمن أشد ما يحتاج إليه الناس في هذا العصر بعد أن قل الحفظ والاهتمام بحديث النبى صلى الله عليه وسلم وانتشرت الأحاديث الضعيفة والمكذوبة على نبينا صلى الله عليه وسلم وتكلم فى الأمر كل صاحب لسان وتجرأ على السُنْةِ كثير من مشاهير العلماء فنسبوا إليها ما ليس منها وأنكروا وردوا أصح الأحاديث وأشهرها.

وقد كان من المهتمين والغيورين على هذه القضية شيخنا الجليل الشيخ الألبانى رحمه الله تعالى رحمةً واسعة فجهوده في هذا المضمار معلومة ومعروفة وغنية عن البيان نسأل الله أن يجزيه عن المسلمين الجنة فقد بذل جهداً في فترة زمنية لم ينهض به أحدٌ مثلُهُ، وإن كان هناك من يتعقب الشيخ رحمه الله في بعض أحكامه على بعض الأحاديث فإن عمله في جملته عظيماً جليلاً فقد دفعه لبذل هذا الجهد أنه وجد الناس يتناولون ويتناقلون أحاديث ضعيفة ومكذوبة ويُفتون الناس على أساسها فرفع رحمه الله شعار تنقية السنة النبوية المطهرة مما علق بها من الضعيف والمكذوب ورد الأمة إلى صحيح سنة نبيها صلى الله عليه وسلم، وهو رحمه الله تعالى رحمة واسعة بعمله هذا يكون قد سن سنة حسنة له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة فكل من حمل هذا اللواء بعد الشيخ الألبانى وبذل الجهود من أجل رد الأمة إلى صحيح سنة نبيها صلى الله عليه وسلم استن بما سنه الألبانى رحمه الله. 

فقبله لم يكن الناس يعتنون بصحيح الحديث من سقيمه حتى الكثير من أهل العلم خصوصا من كان منهم غير لصيق بعلم الحديث المشتغلين بالفقهيات أو المواعظ وغيرها، فكثير من كتب الفقه تمتلئ بأحاديث لا تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يوجد في كتب الفقهاء أحاديث ليس لها أصل يستدلون بها في أحكام شرعية في الحلال والحرام وينسبون الحكم لشريعة الله عز وجل وينسبون الحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ليس بحديثٍ أصلاً، وهذا نراه واضحاً في بعض الكتب التي خرجت أحاديث تلك المذاهب الفقهية، وعلى سبيل المثال لا الحصر:
 
كتاب البدر المُنير لابن المُلَقِن: 
الكتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير
المؤلف: ابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري (المتوفى: 804هـ)
المحقق: مصطفى أبو الغيط وعبد الله بن سليمان وياسر بن كمال
الناشر: دار الهجرة للنشر والتوزيع -الرياض-السعودية
الطبعة: الاولى، 1425هـ-2004م

عدد الأجزاء: 9
أو في تلخيص البدر المُنير (التلخيص الحبير للحافظ ابن حجر)

 
فلنتأمل في الكتاب لنرى بعض الأحاديث التي يستدل بها بعض فقهاء الشافعية مع العلم أن الشافعية هم أسعد المذاهب بالعناية بالسنة، فعلماء الشافعية هم أكثر من خدم السنة، فإذا وقع هذا المذهب في أحاديث لا تُروى عن النبى صلى الله عليه وسلم بأى بسند ولا ندرى كيف جاءتهم ودخلت في هذه الكتب حتى أصبحت حديثاً يُروى عن النبى صلى الله عليه وسلم، ولا نتكلم هنا عن حديثٍ موضوع، فإن الحديث الموضوع له إسناد، بل نحن هنا نتحدث عن حديث بلا إسناد أصلاً حتى نعرف من خلاله أن الحديث موضوع بسبب أن فيه راوياً كذاباً مثلاً، ولكنها أحاديث ليس لها إسناد البتة فلم يروها أحدٌ من أصحاب الكتب الحديثية ومع ذلك تجدها في كتب الحلال والحرام لفقهاء يوقعون عن الله عز وجل وهذه بلية من البلايا التي دفعت علماء الأمة لأن ينهضوا لهذه المهمة، لذا وجب علينا أن نذكر للشيخ الألبانى رحمه الله تعالى أنه كان مجدداً للأمة في هذه الجزئية الجليلة والتي هي التنبيه على خطورة الأحاديث التي تُنسبُ إلى النبى صلى الله عليه وسلم ولا تصح نسبتها إليه. 

وكذلك لا يفوتنا التنبيه على غلط بعض الأئمة الذين حكموا على أحاديث بالصحة أو الحُسن وهى ليست كذلك مثلما نجده عند الشيخ الألبانى رحمه الله تعالى في صحيح الجامع وضعيف الجامع ( الجامع والجامع الصغير للسيوطى ) فإن السيوطى رحمه الله تعالى حكم على أحاديث الكتاب بأحكام فمنها أحاديث ضعيفة ومنها أحاديث حسنة ومنها أحاديث صحيحة ( فإن السيوطى يرى أنه صان كتابه هذا عن ما تفرد به كذابٌ أو وضاع هكذا قال رحمه الله في مقدمته) وأورد السيوطى بعض الأحاديث التي يرى أنها ضعيفة والضعيف يمكن أن يتقوى بمجموع الطرق أو يمكن أن يُعمل به في فضائل الأعمال على مذهب بعض أهل العلم،فتخفف السيوطى رحمه الله في إيراد بعض الأحاديث الضعيفة لهذه الأسباب، ولما جاء الشيخ الألبانى رحمه الله وجد أن الكثير من هذه الأحاديث الضعيفة منها ما هو موضوع، مكذوب على النبى صلى الله عليه وسلم أو شديد الضعف فلا يمكن أن يُتساهل في روايته وهو قريب من الموضوع ثم بعد ذلك حتى الأحاديث الصحيحة والحسنة عند السيوطى تعقبها الشيخ الألبانى عليه، وبين الألبانى رحمه الله أنها لا تصح فهى إما ضعيفة أو ضعيفة جداً أو حتى موضوعة، فقسم الكتاب إلى قسمين: وجعل الأحاديث التي لا تصح بغض النظر عن درجة ضعفها والتي قد تصل إلى الوضع أو شدة الضعف أو ضعيفة فقط وجعلها في قسم مستقل، وأما الأحاديث التي رأى الشيخ الألبانى أنها صحيحة أو حسنة جعلها في قسم آخر.

ورغم ذلك فإن الشيخ الألبانى قد حصل عليه تعقبات في تخريجه ولا غرابة في ذلك فهو مجتهد كما اجتهد السيوطى رحمهما الله وهما في ذلك مثل أن يجتهد الحافظ ابن حجر أو العراقى أو الذهبى أو ابن كثير أو غيرهم من العلماء.
فإن الكثير من الأحاديث التي يحكم عليها الشيخ الألبانى بالصحة أو الحسن ثم يُتعقبُ عليها نرى أن هناك من حكم عليها بنفس حكمه أو خالفه والأمر يرجع إلى الأسباب التي جعلت أحكامهم على هذه الأحاديث بهذه المثابة وهي مرحلة متقدمة جداً من هذا العلم النفيس. وجُل ما يهمنا هنا التأكيد على التفريق بين تخريج الحديث والحكم على الحديث فلا تلازم بينهما فيمكنك تخريج الحديث دون الحكم عليه، وإن أردنا الحكم على الحديث فينبغى لنا أن ننظر في أحكام الأئمة على الحديث وبفضل الله صارت هذه المسألة سهلة وميسورة في بعض المواقع ومنها موقع الدرر السنية.

تخريج الحديث النبوى ودراسة الأسانيد

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ثم أما بعد
بعض الأساسيات وأشياء مهمات 
ــ  بعض الناس يجعلون تلازماً بين التخريج ودراسة الأسانيد، وذلك بحكم أن أول من صنف فى طرق التخريج أو أول كتاب طُبع عن طريقة التخريج ضم معه دراسة الأسانيد، ولكن الحقيقة أن هناك فرق بين التخريج ودراسة الأسانيد.   
وربط التخريج بدراسة الأسانيد تراه واضحاً في تعريفه التخريج حينما قال: 
"هو عزو الحديث إلى مصادره الأصلية التي أخرجته بسنده مع بيان مرتبته عند الحاجة " فجعل هناك تلازماً بين دراسة الإسناد والحكم على الحديث وبين التخريج. والحقيقة أنهما منفصلان: فإنه يمكن للمُخرِجِ أن يُخرِجَ الحديث فقط ولا يحكم عليه.

ــ  ويجب هنا أن نؤكد أنه لا ينبغي أن يتصدى للحكم على الحديث إلا من كان متضلعاً في هذا الفن ولديه القدرة على الحكم على الأحاديث، فإن الحكم على الحديث ليس بالأمر الهين، ويمكن لطالب العلم في مرحلة التدريب أن يحكم من باب التدرب على هذا العلم النفيس مُستضيئاً ومُستأنساً بشيخه أو استاذه، ولكن من الخطر أن يتصدى طالب العلم للحكم على الحديث تأليفاً أو إفتاءً بل عليه أن يكون متورعاً عن الحكم على الأحاديث إلا بعد أن يملك ويستوفى آلة الاجتهاد. 

ــ إن الحكم على الحديث في خطورة الفتوى بل أشد منها خطورة لأن الفتوى قد تكون في مسألة جزئية وأما الحكم على الحديث فيُعد تقعيداً، فإنك عندما تقول عن حديث ما أنه ضعيف ويكون الصواب بخلاف قولك فإنك تكون قد قطعت الطريق عن الاستدلال بهذا الحديث في تلك المسألة أو المسائل التي دل عليها الحديث محل التخريج فكأنك انتقصت من شرع الله. 
والعكس كذلك فحينما تحكمُ على حديثٍ من الأحاديث بأنه صحيحٌ وتكون الحقيقة خلاف قولك فإنك بذلك تُقر الحكم أو الأحكام التي تضمنها ذلك الحديث ويكون هذا منهجاً لمن تبعك ويُفتى بموجب ذلك الحكم الذي ليس في محله وهذا يعنى دخول شيئ في شرع الله وهو ليس منه. ولا يغيب عن أحد خطورة الحكم بغير ما أنزل الله، وخطورة التغيير والتبديل في شرع الله، فعلى طالب العلم أن يتعلم التخريج ولا يتعرض للحكم على الأحاديث إلا بعد أن يمتلك ويستوفى آلة الاجتهاد فيها. 

ــ  من نعم الله التى لا تُعد على هذه الأمة أن قيد الله عز وجل لها من العلماء الكبار من كفانا الخطأ في هذا المضمار الهام كمثل:
الشيخ علوي السقاف فقد قام في موقع الدرر السنية بعمل رائع جداً وهو جمع أحكام الأئمة على الأحاديث بالإضافة إلى تخريج الحديث وعن طريق محرك البحث في الموقع يمكن الحصول على تخريج الحديث وأحكام الأئمة الذين تكلموا عن هذا الحديث تصحيحاً أو تضعيفاً. 

ــ  ومن خلال الخدمة التى يقدمها موقع الدرر السنية وغيره يستطيع طالب العلم الحصول على تخريج الحديث وأحكام الأئمة عليه تصحيحاً وتضعيفاً سواء كان ذلك باتفاقهم أو اختلافهم، ففي حالة اتفاقهم على صحة الحديث يطمأن طالب العلم إلى صحة الحديث، وكذلك فى حال اتفاقهم على ضعف الحديث أيضاً يطمأن طالب العلم، وربما وجدنا أقوالاً مختلفة لأهل العلم في الحكم على ذلك الحديث فمنهم من يصححه ومنهم من يضعفه. 

ــ  كذلك فيما يتعلق بالتصحيح والتضعيف من مثل: تصحيح الوقف وتضعيف الرفع إلـــخ كل ذلك نجده في موقع الدرر السنية وهى خدمة جليلة جداً وفق الله لها القائمين على هذا الموقع وعلى رأسهم فضيلة الشيخ علوى السقاف جزاهم الله جميعاً خير الجزاء، فهذا من أشد ما يحتاج إليه الناس في هذا العصر بعد أن قل الحفظ والاهتمام بحديث النبى صلى الله عليه وسلم وانتشرت الأحاديث الضعيفة والمكذوبة على نبينا صلى الله عليه وسلم.